تعتبر ولاية كيدي ماغة بوابة موريتانيا الجنوبية إذ تطل عليها جمهوريتي مالي والسنغال على التوالي فمن الجنوب والجنوب الشرقي جمهورية مالي عن طريق النهر ووادي كاركورو الذي يمثل الحدود الطبيعية بين الجمهوريتين "مالي وموريتانيا" وأحد أهم روافد نهر السنغال "نهر صنهاجه قديما". أما من الجنوب والجنوب الغربي فتحدها جمهورية السنغال عن طريق نهر السنغال وهو المجرى الوحيد الدائم الجريان في شبه المنطقة. شكل موقع عاصمة الولاية ـ سيلبابي ـ كمنطقة وسط ونقطة تماس بين الجمهوريتين "مالي والسنغال" من جهة ووقوعها ضمن النطاق السوداني الذي يمتاز بتساقطات مطرية معتبرة، من جهة أخرى عامل جذب واستقرار، للسكان في بيئة ملائمة للزراعة والتنمية الحيوانية والتجارة. كان لإسهامات المواطنين الدور الرائد والأهم في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذ لم تمارس الزراعة كمجرد حرفة وهواية فقط وإنما ثقافة متجذرة في المجتمعات ولا تقتصر على جنس دون الآخر وإنما يعمل الجميع في جو ودي جمعوي تكافلي مما ينعكس على العملية الإنتاجية كما ونوعا ويساهم في تأمين الغذاء خصوصا في الفترات الصعبة "الفليكة" ويحد من مضاربات أسواق الحبوب على سكان يعيش أغلبهم على البذر والجمع والالتقاط. هاجرت وتهاجر أغلب الفيئات الشابة إلى مختلف دول العالم (أوربا أمريكا آسيا إفريقيا..) لكن تظل وفية لوطنها وحريصة على الاستثمار فيه ولا أدل على ذلك من المآذن التي تعانق عنان السماء والعمارات الشاهقة والقصور الفارهة في القرى والبلدات "الڴصور" وغيرها وعلى العكس من بعض رجال الأعمال والنخب التي تستنزف خيرات بلدها ومقدراته وتستثمرها في... بطونها، جيوبها أو في بنوك خارج حدود البلد وتُكوَن... وتكون خارج السرب والنطاق والعرف والمألوف.
أناس ألفوا وطنهم وإخوتهم في الدين والوطن والجيرة تبادلوا الأسماء والألقاب بحكم الروابط التاريخية "الدينية والسلطنة" وشيدوا العمران على أديم هذه الأرض المعطاء بين الوادي والنهر في ظروف أحسن ما يقال عنها أنها مواتية. لقد أثر التراجع الملحوظ في كميات الأمطار في السنوات الأخيرة على الحياة الاجتماعية وعلى البيئة، كما أدى إهمال السلطات لهذا القطاع النباتي الحيوي المتجدد والتركيز على القطاعات المنجمية والصناعية وتركه عرضة للفؤوس ومرتعا ومقلعا لوطنيين وأجانب مقابل مبالغ زهيدة يدفعونها في جيوب خاصة، أثرت العملية برمتها وبشكل كبير على النظام البيئي، زد على ذلك الرعي الجائر والحاجة الماسة لمخرجات الطبيعة وما تمليه متطلبات الحياة من وسائل تدفئة وطهي واستخدامات البناء. إن النمو المتسارع لمدية سيلبابي وموقعها وواقعها يطرحان عدة تحديات ومشاكل اجتماعية وعمرانية وصحية وأمنية وإدارية وزراعية ورعوية.
ـ على المستوى الاجتماعي الخدمي.
فرض توخي الحيطة والحذر على السكان آنذاك ضرورة التكاتف والتلاحم خشية التعرض لهجمات من الخارج، كما فرضها النظام الاجتماعي القائم على أن تكون الأسرة المسؤولة "مسؤول القرية دب كوم" في القلب وتبدأ الأسر الأخرى في الالتفاف حولها وهكذا دواليك، وهو ما نتج عنه ضيق في الطرق والأزقة وانعدامها أحايين أخرى مما يستدعي اليوم وضع مخطط عمراني يتلاءم مع المخططات العمرانية المعمول بها ويعكس الوجه الحضاري للمدينة ويسمح بانسيابية الحركة وبإقامة بعض المنشآت الخدمية كالصرف الصحي.
ـ على المستوى الصحي.
تعد ولاية كيدي ماغة أحد أهم معاقل الملاريا بسبب إطلالتها وقربها من النهر الذي تصنف المناطق المجاورة له أكثر عرضة وتعرضا لحمى الملاريا ولدودة غينيا المعروفة محليا ب: "بورتو" المرتبطتان بالمياه والمياه الراكدة والآسنة ومياه الأمطار "فترة الخريف" وتكثر ضحاياها من بداية شهر أكتوبر إذ يبدأ مركز الاستطباب الوطني باستقبال أنواع المصابين ومن مختلف الجهات ومن بلدياتها الإحدى عشر ومن رئتها الثانية ول ينج ببلدياته السبع يحملون الداء يقطعون المسافات ويجتازون الأودية يعانون من قساوة الظروف طلبا للاستشفاء من مشافي أو على الأصح مستشفى المدينة شبه الوحيد الذي تمتلأ أجنحته وممراته بالمرضى فلولا التحسن الذي طرأ عليه مؤخرا ـ قرابة السنة ـ على طاقمه ممثلا في سيادة المدير العام الذي يشرف على معاينة ومعايدة المرضى بنفسه وقلب نظامه البالي رأسا على عقب من تساوي مرتبات عمال الدعم وتنويع الوجبات وتحسينها إلى الإشراف على العيادات الداخلية والحرص على النظافة لكان الوضع كارثيا ويكون الهروب من الداء إلى الداء. ـ على المستوى الأمني. يطرح طول الحدود البرية مع جمهورية مالي تحديا أمنيا كبيرا إذ من الصعوبة بمكان ضبط هذه الحدود في ظل تنامي الجريمة المنظمة العابرة للحدود والقارات، كما أنه في السنوات الأخيرة ظهرت عصابات تمتهن سرقة المواشي من هنا وهناك، ساعد على ذلك طبغرافية المنطقة ووعورتها، فالكهوف والوديان تشكل ملاذا آمنا لهذه العصابات المحترفة، كما تشكل عائقا أمام تتبعها لذا بات من الضروري وضع جهاز رقابي لتمشيط المنطقة وتوسعة شبكات الاتصال لتشمل تغطية بعض المناطق الحساسة حينها يمكن التبليغ عن الحركات المشبوهة سواء على طول الوادي أو على ضفاف النهر خصوصا في فترات الجفاف "الصيف" فترة انخفاض منسوب مياه النهر، حينها يمكن للأشخاص اجتيازه دون ما عناء من أين شاءوا وفي أي وقت شاءوا.
كما يمثل ضعف البث الإذاعي عائقا في وجه السكان خصوصا في المناطق النائية ويحرمهم من مواكبة الأحداث والاستفادة من البرامج التعليمية الدينية التثقيفية الريفية، عائق سمعي بصري ينضاف إلى العوائق الطبيعية كوعورة التضاريس وشح المياه أحيانا والعزلة والتهميش أحايين أخرى. هي إذن جملة عوامل يعاني منها سكان المنطقة وتشكل حجر عثرة في اقتناء حاجاتهم إبان موسم الأمطار.
ـ على المستوى الإداري.
في ظل السعي إلى تقريب الخدمة من المواطنين وما تقتضيه متطلبات اللامركزية الإدارية بات من الضروري إعادة النظر في التقطيع الإداري واستحداث مقاطعة جديدة تضم على وجه الخصوص الدافوع لمبيديع بوعنز...، "كيدي ماغة العليا" مختزلة بذلك العامل الزمني والاقتصادي وملبية لحاجات وتطلعات الساكنة ولضمان ولوجهم إلى الخدمات الصحية والتعليمية. إن استحداث مقاطعة ـ وسط ـ بمعايير الجودة ومكتملة الخدمات ستعمل على تثبيت الساكنة في مواطنهم الأصلية، كما ستشكل وجهة للمناطق المجاورة بدلا من اللجوء إلى الجوار من جهة كما ستخفف من الضغط على مركز الاستطباب الوطني وتحد من عناء السفر وتكاليف الصرف من جهة أخرى حالة وجود طاقم وكادر متخصص وبأدوات حديثة.
ـ على المستوى الزراعي والرعوي.
تمسح ولاية كيدي ماغة قرابة 10000كلم2 تمتد من سلسلة هضاب العصابة شمالا باتجاهين: جنوبي غربي مع محاذاة نهر السنغال وجنوبي شرقي مع وادي كاراكورو الرافد الأساسي للنهر والاقتصاد المحلي. بهذا الموقع الجغرافي تمثل ولاية كيدي ماغة قطبا تنمويا حيث تنتشر الزراعة "المطرية والفيضية" وتربية الماشية النشاط السائد في المنطقة، كما يمثل المخزون النباتي ثروة هامة ودعامة أساسية من مقومات التنمية ويرتبط به مصير الإنسان والحيوان ويتأثر سلبا وإيجابا بتذبذب كميات الأمطار وبالاستخدامات البشرية المفرطة، وتلتهمه النيران أحيانا خصوصا المنطقة المغفرة كثيفة العشائر النباتية والحشائش والمعروفة محليا ب: "الجنكة" وتطلق أساسا على النطاق الممتد شمال غرب مقاطعة ول ينج (كواد مرزوك).
يمثل هذا النطاق بنك حشائش هام وملاذا أخيرا للحيوانات عند اقتضاء الحاجة بسبب غياب نقاط المياه لكن تظل أكثر عرضة للاتهام النيران بسبب غياب الخطوط الواقية من الحرائق. ومن هذا المنطلق فإننا نطالب بما يلي:
ـ إعادة الاعتبار للثروة الحيوانية والغطاء النباتي عن طريق البذر وإعادة التشجير والتلقيح.
ـ نقل وزارة البيطرة إلى الميدان.
ـ وضع سياسة واضحة المعالم تهتم بالقطاع الريفي الزراعي والرعوي.
ـ فتح مدارس للصحة الحيوانية جنبا إلى جنب مع مدارس الصحة العمومية.
هي أمور من بين أخرى تعاني منها ولاية كيدي ماغة بشكل عام وسيلبابي على وجه الخصوص، لكنها تظل عصية رغم عاديات الزمن ومثالا حيا لتناغم وتلاحم وتعايش الشعوب. هي جارة الوادي والنهر لا يمكنها أن تظمأ هي مسألة وقت ووقت فقط حفظها الله ورعاها.